آخر الاخبار

صرخة في وجه النقد ( المميت) بقلم : يوسف الحمدان

يالحمق بعض المنظرين ومدعي النقد الذين ابتلت وتورطت بهم ساحتنا المسرحية في الوطن العربي بمختلف فضاءاتها وتجمعاتها والذين لم يزلوا بعد يصرون على أن النص في العرض المسرحي كلمة ، فاذا غابت عنه هذه الكلمة مات العرض بمن فيه ولم يعد ينتمي هذا العرض للمسرح على الاطلاق ..
هذه هي القراءة الضيقة المحدودة الأفق هي التي تتسيد المشهد المسرحي والتي تحكم رؤى كثير من النقاد والمسرحيين الذين اثقلوا روح المسرح بثرثرة لا أول لها ولا آخر ، ظنا وايمانا منهم بأن ذلك هو المسرح ودونه لا نص ولا مسرح ، والذين بسببهم ظلمت وهمشت عروض هي في غاية التميز والابداع ، فقط لأنها لم تحتفي بالكلام الكبير الذي تسلح به امثال هؤلاء ..
النص أنساق ورؤى واتجاهات ولبس كلمة ياسدنة التخلف والوعي القاصر ..!!!
مثل هؤلاء حمقى مع سبق الاصرار ..
يريدون أن يصادرو ( لا ) اليتيمة لبيتر هاندكه .. يريدون ان يعيدوا صياغة لغة العزلة واللامعنى لدى كتاب العبث ..
ونسوا ان النص تكتبه إشارة أو ايماءة أو حركة أو روح او جسد او فراغ أو رؤية ..
يتبجحون بمعرفة عقيمة حول النص والكتابة منذ ازمان هجرها الفكر وهجرتها المخيلة ..
يعيدونك إلى اول المربع ويدعون في الوقت حداثة فيه ..
يخيرونك بين النص المكتوب وبين أنساق كتابتك الجديدة للنص ولنص العرض وكما لو أن كل النصوص ينبغي ان تكتب بلغتهم .. بلغة واحدة كي نشبه أنفسنا في كل شيء..
اللعنة على المتشابهين ومن يكتبوا نصوصا تشبههم وينتقدوا عروضا تشبههم ..
روبرت ويلسون بالنسبة إليهم غير شرعي في المسرح لأنه لا يكتب نصا يشبع غريزة ادمغتهم الديماغوجية المتخلفة..
بينا باوش لا تكتب نصا سوى لروح الجسد فهل نقصيها لأنها لا تثرثر مثلهم ؟ ..
الكتابة ليست واحدة والرؤية فسح الابداع ..
كل بلاغة الجسد لا قيمة لها في قواميسهم العقيمة الباهتة البائتة الصفراء ..
يحصون عدد الكلمات في العرض ولا يرون ما بينها وما خلفها ولا أفق كل كلمة منها ، واذا اختل هذا الاحصاء سقط العرض كله على رؤوس منتجيه ومؤديه ..!!!
نقاد باهتون افكارهم صفراء لا يقولون الا ما يكرس التخلف ويعود بالمسرح إلى عصور الظلام والتحجر ..
يغازلون التجارب الباهتة كي يكونوا في مقدمة ركب المهرجانات..
السؤال ليس في وارد رؤوسهم وتفكيرهم ..
الاجابات الجاهزة هي مخزن وعدة انتقاداتهم وترهاتهم ..
المسرح لن يتقدم قيد انملة اذا اصغى إلى أفكار هؤلاء النقاد الصفراء ..
القائمون على المسرح والمهرجانات يجب أن يتوقفوا عن الإصغاء لانتقادات هؤلاء ، فهم عقبة في طريق المسرح وحجر عثرة أمام أفكار المسرحيين المتمردين الخلاقة ..
كنت اتمنى ان يتحدثوا عن رؤاهم في الكتابة الجديدة ، في كتابة العرض الجديد ، في ردم الافكار النصية النسقية البالية ، ولكنهم يضيفون للاسف الشديد حزمة بالية من الافكار الباهتة إلى قواميس المسرح ..
نقاد حفظة سلفيون متخلفون حتى ذروة التسطيح والتسذيج ..
ازعجتنا بل قتلتنا منبريتهم الدعية في كل ندوة مهرجانية للمسرح ، تطبيقية أو فكرية ، والفكر منها براء براءة الذئب من دم يوسف ..
مثل هؤلاء لا تعجبهم التجارب المسرحية المغايرة المجنونة الجريئة التي ينتجها شباب المسرح ومجانينه اليوم من أمثال توفيق الجبالي ،و محمد الحر وامين ناسور ووفاء طبوبي ونزار السعيدي ، ومحمد العامري ، ووليد دغسني ، وانتصار عبدالفتاح ، وربيع مروه ، ومحمد شرشال ، والقادم احمد ساهل ..
إنهم يريدون مسرحا بمقاس عقولهم المتحجرة ..
كل المغايرون المتمردون في المسرح لا حضور ولا تاريخ لهم في رؤوسهم .. باتريس بافيس ، روبرت ويلسون ، هالاروس النمسا وغيرهم ، انهم يعجزون عن قراءة مثل هذه التجارب والافكار والرؤى ، إنهم لا يقتربون حتى من رؤى نقادنا العرب الذين اسهموا برؤاهم النقدية والفكرية في تطوير بعض الرؤى المسرحية الجديدة ، من أمثال الدكتور سامح مهران والدكتور خالد أمين والناقد حاتم التليلي وعبدالواحد بن الياسر وغيرهم ..
أرجوكم توقفوا عن افراز هذا الكم الهائل من غدد الخطاب العارف ..
اكرر وهذه علة العلل ..اريحوا ادمغتنا من القراءة النصية للعرض التي لا تجد وسيلة للهروب من جماليات العرض ومن رؤاه إلا بالاكتفاء بحفظ السرد وترجمته في ( النقد ) !!!
انهم نقاد ادعياء مروجون مسوقون للسلع الرخيصة ..
نقاد تستهويهم الكتابات الانطباعية المسطحة ، وللاسف الشديد ، مثل هؤلاء توكل اليهم بعض المهرجانات تقييم العروض المسرحية المشاركة فيها لتكتشف في نهاية الامر بان ماتم اختياره لتمثيلها هي أسوأ وأردأ العروض المسرحية ، أما العروض المسرحية ذات الرؤية الجديدة والمشاكسة فلا مكان لها في مثل هذه المهرجانات ليكرسوا باختيارهم تلك العروض ذوقا أكثر رداءة للأسف الشديد ..
مثل هؤلاء لو وقعت ( يوميات الحداد ) لرولان بارت بين أيديهم لاعتبروها خواطر ..

ولو قرؤوا رؤية المعلم سوزوكي فبلسوف ( الزن ) عن الفكر الغربي والرأس لاعتبروه متخلفا ، هذا اذا قرؤوه طبعا ..
ألم يتساءلوا لماذا المسرح في الوطن العربي في تراجع مستمر الا من رحم ربي ومن أشرت لبعضهم في هذه السانحة ؟
إن العروض المغايرة المؤثرة بات وجودها في مهرجاناتنا شحيح جدا وعليك ان تبحث عنها وحدك في اماكن مختلفة أو على هامش المهرجانات ..
ان العقول البليدة لا يمكن أن تنتج فكرا أو روحا خلاقة أو وعيا متجددا متحررا من كل هذه الرواسب البالية ، فإذا المفكر المسرحي بيتر بروك أفرد مساحة في كتابه ( المساحة الفارغة ) عن المسرح المميت ، فإني اللحظة لا أتردد في تسميتي لهذا النوع من ( النقد ) بالنقد المميت !!..
على مسرحيينا الخلاقين المشاكسين الا يصغوا لزعومات مثل هؤلاء ، وهذه ليست وصية ، فهم كارثة غير منتجة ولا يمكن ان تكون كذلك الا بكارثة أكثر اعصارا على الفكر من كارثة موريس بلانشو ..
الناقد من يقرأ ويحلل ويفكك ويسهم في الاضافة بقراءته الى العرض ، إلى المشهد ، إلى الظاهرة ، وليس من يشرح ..
النقد رؤى .. خطاب .. قراءة .. اسئلة .. تفكيك .. تأمل.. وليس شرحا بائسا للعرض .. للظاهرة .. للحظة الآنية.. أو قراءات نرسيسية تذهب لمقدس خطابها بعيدا عن التجربة المتصدى لها ..
تتغير اسماء النقد ومفاهيمه والظاهرة تعلي من شأن النقد المطمئن ، النقد الرخو الذي يحتفي بالانشائيات ودروس التعبير ..
كثيرا ما استوقفني الكاتب الدراماتورج يوسف بحري في قرائته للدراماتورجية وكيف يفكك من خلالها فيزياء وتفاصيل النص والعرض ليشكل من خلالها روحا مسرحية جديدة تنتمي للفكر الخلاق المثير لأسئلة جديدة في العرض ولمن يتصدى لهذا العرض من النقاد ، وكما لو أنه يكتب بروح ناقد يفتح بوابات التأويل على مدياتها القصوى ، وهكذا شعرت ولمست في مسرحية ( حقائب ) لمخرجها جعفر القاسمي ..
لم تعد تستهويني كتب كثيرة عن النقد لأنها بالية متخلفة مهترئة ..
لم تعد تستهويني الدراسات المحشوة بمراجع اكثر من النص الخاص بالباحث ..
لم يعد النقد ضرورة بقدر ما تحول بسبب إدارات كثير من المهرجانات المسرحية شكلا من اشكال تسويح المسرح مما أدى الى تمييعه ..
وأعاننا الله على بعض الاساتذة الاكاديميين في بعض الجامعات والاكاديميات العربية الذين يوزعون شهادة الماستر والدكتوراه مقابل مصالح بائسة ، والنتيجة للاسف زيادة عبء جديد على النقد وعلى الفكر وعلى المسرح وعلى البؤس نفسه ، خاصة وان بعض اساتذتهم كارثة نلمسها في بعض الندوات التطبيقية والفكرية !!
في هذه السانحة تذكرت صرخة الصديق المخرج المسرحي عبدالله السعداوي في مسرحيته ( الكمامة ) للكاتب الفونسو ساستري : ( العاصفة قادمة .. استعدوا ) ..

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*